الاثنين، 7 مايو 2012

الاقتصاد، بين الرخاء و الفساد

الاقتصاد، بين الرخاء و الفساد

 عندما يزيد ذهاب الليبيين إلى تونس عن قدوم التونسيين إلى ليبيا، و عندما يقوم الليبيون بإنفاق نقودهم في تونس (شراء خدمات سياحية أو طبية مثلا) أو يقومون بجلب أغراض من تونس (استيراد سلع) بشكل أكبر مما يفعله التونسيون بشكل عكسي، في هذه الحالة تقل قيمة الدينار الليبي أمام الدينار التونسي فيصبح سعر الدينار التونسي 1.10 دينار ليبي مثلا، فإذا زاد تدفق الليبيين و صرف نقودهم و شرائهم السلع من تونس، ربما أصبح سعر الدينار التونسي الواحد 1.20 دينار ليبي، و هكذا، و العكس صحيح تماما. هذه حالة عرفها و عايشها الليبيون (و التونسيون و غيرهم طبعا)، و هي تسمى في علم الاقتصاد "بالميزان التجاري". فكلما زادت صادرات بلد ما (كقيمة) عن وارداته؛ كلما مال الميزان التجاري لصالح ذلك البلد، و العكس صحيح. هنا يبرز السؤال: هل صادرات ليبيا أكثر من وارداتها أم العكس؟ إذا رجعنا إلى حالة ليبيا و تونس كمثال، فإننا نستطيع القول بأنهما متساويتان تقريبا، و إلا لمال الميزان التجاري ضد أو في صالح ليبيا بشكل واضح (كما حدث أثناء الثورة الليبية المجيدة حيث بلغ سعر الدينار الليبي حوالي 0.60 دينار تونسي)، أما في الأحوال العادية فإن العملتان عادة ما تبقيان متساويتا القيمة، ما يدل على ثبات الميزان التجاري. و لكن يجب أن نراعي أن هذا الوضع يشمل كافة الخدمات و السلع عدا واحدة، ألا و هي الغاز و النفط و مشتقاته، و هي أهم سلعة تجارية تصدرها ليبيا، فهل نستطيع أن نتصور ماذا سيحدث لو أن هذه السلعة وضعت في الميزان التجاري؟ لصالح من سيميل الميزان و بأي مقدار؟ لقد أخرج طاغية ليبيا المردوم؛ النفط و توابعه من الميزان التجاري لسنوات طويلة، و ها هي الحكومة الانتقالية تحذو حذوه لتكون خير خلف لأسوأ سلف (أفقر شعب في أغنى دولة). و السؤال هنا: كيف يكون غنى الشعب تبعا لغنى الدولة؟ إن دخل ليبيا السنوي (من الغاز و النفط و مشتقاته و الاستثمارات الداخلية و الخارجية) يزيد عن 100 مليار دولار (قمنا بحساب ذلك بالورقة و القلم في مقالة سابقة)، و لا تستطيع ليبيا إنفاق أكثر من 30 مليار دولار سنويا، على أقصى الاحتمالات مبالغة (الحد الأقصى حسب رأي المختصين، و منهم الدكتور محمود جبريل هو 24 مليار خلال العشرين سنة القادمة) ، و بالتالي يكون الفائض النقدي 70 مليار دولار سنويا، علما بأن المبلغ المذكور (30 مليار) يدخل فيه المرتبات و الاستثمارات و إعادة الإعمار، شريطة أن يتم ذلك حسب الأصول و القواعد و الرقابة الفنية و المالية المتعارف عليها عالميا (أما خرافة الميزانية ذات الـ 68.5 مليار فمن السخف حتى مناقشتها). لقد كان الطاغية يبيع العملة الصعبة بأضعاف سعرها الحقيقي (يبلغ السعر الرسمي الحقيقي للدولار الواحد 0.45 دينار ليبي (45 قرشا، و كم نتمنى أن يعود القرش الذي ألغاه الطاغية) و كان الطاغية يبيعه للمواطن الليبي بسعر 1.30 دينار (أي بثلاثة أمثال سعره الحقيقي) أي أن الدولة تسرق الشعب جهارا نهارا، و المأساة أن حكومتنا الانتقالية الموقرة قد سارت على نهج الطاغية في سرقة أموال الشعب، و المضحك المؤسف أن يعلن وزير ماليتنا الموقر أنه سيثبت سعر الدولار هكذا لمدة 3 سنوات (ستة أضعاف مدة حكمه) و بمعنى آخر أنه أراد أن يفرض على الحومة الانتقالية الثالثة و الحومة المنتخبة أن تستمر في سرقة الشعب الليبي ، و أن يعيش هذا الشعب في ضنك من العيش لمدة 3 سنوات كاملة حتى بعد أن ثار ضد الطغيان و ذلك ابتداء من تاريخ تسليط هذا الوزير على (رزق) الليبيين. و عودا على بدء، فإن التاجر إذا استورد السلعة بالدولار الذي اشتراه بـ 1.30 دينار فذلك يعني أنه يستوردها بثلاثة أضعاف سعرها الحقيقي، بمعنى أن السيارة التي يشتريها المواطن الليبي بسعر 15000 دينار، لم يكن ليشتريها بأكثر من 5000 دينار و هي تكلفتها الحقيقة (بما في ذلك ربح تاجر الجملة و القطاعي). و لكن ما قصة الـ 45 قرشا؟ و ما مصير الـ 70 مليار دولار الفائضة سنويا؟ و ماذا تفعل الأموال التي كانت مجمدة في الخارج؟ أسئلة حائرة تقف وراء بؤس المواطن الليبي، أو رخاؤه. لقد كانت القيمة الفعلية للدولار 30 قرشا (0.30 دينار) فقام الطاغية بسحب قدر من رصيد ليبيا الذهبي من المصارف الدولية ليقوم بخفض قيمة الدينار الليبي للقيمة المذكورة، و ثبته هكذا لعشرات السنين، و قد قام بإخفاء القيمة الفائضة أو وهبها لجهات مجهولة طيلة تلك السنوات. و كان الصحيح ألا يسحب من الرصيد الليبي، بل يضيف إليه حتى يقوى الدينار الليبي أمام العملات الأخرى، فقد كان لليبيا طيلة السنوات الأربعين الماضية فائضا نقديا كبيرا و لم تمر بأي أزمة تضطرها للسحب من رصيدها، و إذا كان الله قد قدر أن يحكمها طاغية دجال طيلة تلك السنين فما المبرر أن يستمر الوضع كما هو عليه الآن، رغم أن الليبيين قدموا ضريبة الدم كأغلى ما يقدم للتخلص من الطاغية و نظامه الغاشم، و لتكون الحرية هي خطوته الأولى على طريق الحضارة و الرخاء. إذا استثمرنا كل ما يمكن استثماره ثم وضعنا ما يفيض في المصارف الدولية فسوف تزيد قوة الدينار الليبي سنة بعد أخرى، و يميل الميزان التجاري لصالح ليبيا سنة بعد أخرى، و يزيد الخير و الرخاء للمواطن الليبي سنة بعد أخرى. و إذا أحسنا استثمار أموالنا فسوف تتحول إلى ثروة - حيث أن النفط و الغاز ليسا ثروة بل كنزا، باعتبار أنهما ينقصان و لا يزيدان - أما إذا تم استثمارهما في التعليم أولا ثم في الصناعة و الزراعة و الموارد المتجددة و السياحة و الصيد البحري و غيرها من الموارد؛ فستكون ثروة حقيقية تنقلنا من حالة الضنك إلى حالة الرخاء، و من مستهلكين إلى منتجين مصدرين و من الليبي الموظف إلى الليبي المستثمر. و لا ننسى دائما أن نعمل على الميزان التجاري و قوة الدينار الليبي. تصدير أكثر = رخاء أكثر. ملاحظات: · زيادة مرتبات موظفي الدولة حل جيد حيث أنه يساعد على دوران عجلة الاقتصاد ، حيث أن المزارع و الصانع و التاجر سيبيعون أكثر (و ليس بالضرورة أغلى) و بالتالي سيزيد دخلهم، (لكنه حل أزمة فقط و ليس الحل الكامل)، فالحل الكامل و الأمثل لتحقيق الرخاء يكمن في الاستثمار و الإنتاج و التصدير. · نحن لا نقول بالخفض المفاجئ لسعر الدولار (رفع قيمة الدينار) فذلك حتما سيضر إخواننا التجار ضررا بليغا، و لكن يجب رفع قيمة الدينار تدريجيا و بأعلى سرعة ممكنة و حسب دراسة و تكتيك دقيق لا يضر بقطاع التجارة. · إذا استثنينا معاشات الضمان الاجتماعي (ليس للمتقاعدين فقط بل لكل العاجزين عن إيجاد عمل) ؛ فإننا نرفض توزيع النقود بدون مقابل؛ من جهد أو سلعة، و سواء كان ذلك بدل عن دعم السلع أو غيرها، بل يجب أن يكون ذلك برفع مرتبات الموظفين و رفع الحد الأدنى من الأجور و التنمية الشاملة و تشجيع الاستثمار الذي يوفر فرص عمل لأكبر عدد من المواطنين. طرفة: لي جار يعمل تاجرا للسيارات دخله أكثر من 10000 دينار شهريا، و ليس له أطفال، و جار آخر يعمل موظفا بإحدى الدوائر يتقاضى مرتبا قدره 300 دينار و له 5 أطفال قصر. الأول تحصل على محفظة استثمارية يتقاضى ريعها شهريا، و الثاني ليس له محفظة باعتباره موظفا في الدولة .. هذا عدل القذافي، و هذا عدل الانتقالي، (و أنت وازي).




 مهندس / خالد أبوخبطة تجمع ليبيا الرخاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق