الاثنين، 7 مايو 2012

حلقات من مذكرات ثائر \ الزاوية تتحرر


 الحلقة التاسعة : الزاوية تتحرر


 كانت الزاوية ساحة حرب حامية الوطيس تعددت فيها الجبهات وتداخلت،وقودها أبنائها الذين هانت عليهم أنفسهم في سبيل تحرير مدينتهم،فضربوا أروع أمثال التضحية والفداء فللحرية ثمنا ممزوج بدم وأشلاء ودموع وآهات،كان القتال فيها شاهداً على وحشية الكتائب،وعلى إصرار الثوار على انتزاع الحرية واسترداد كرامة وبعث أمل وفتح رحاب أفق يسع الجميع ،أمتد فيها القتال من جبهة المصفاة النفطية غرباً مروراً بجبهات قتال تعد كل معركة فيها نموذجاً يصلح ليكون درساً في المعاهد والكليات الحربية كجبهة (الخرابشة وسكنية ديله) شرقاً التى أمتزج فيها الدم والوطن فأصدر نغماً صادحاً ، وجبهة أولاد عجينة التي قدمت أروع الأمثال في البطولة و التضحية،وجبهة البرناوى التي برهنت على أن الليبيين يمتلكون شجاعة نادرة،والمطرد التي كانت شعلة لا تنطفي ومعيناً للرجال لا ينضب قدموا لنصرة مدينتهم الزاوية فكانوا خير رافد ،والحرشة التي قاتل ثوارها قتالا بطوليا وشاركوا إخوانهم الثوار من الزاوية في كل المعارك والجبهات التي نشبت في المدينة،كانت معارك تحرير الزاوية شاهدة على وحدة وطن،التقى فيها ثوار قدموا إليها من كل المناطق وخاصة من المنطقة الجبلية : من الزنتان،ومن الرجبان، ومن ، يفرن،ومن جادو،ومن تاغمة وغيرها من المناطق للمشاركة في تحريرها يدفعهم في ذلك حبهم لوطنهم،وكانت الجبهة الممتدة من الإشارة الضوئية لتقاطع شارع القرضابية مع الطريق الساحلية شرقاً إلى تقاطع الطريق الساحلية مع مدخل شارع عقبة غرباً من أقوى وأسخن الجبهات بالزاوية والتي عرفت بجبهة ( المنقع )،وكان الواجب الملقى على عاتق ثوار تلك المنطقة واجباً كبيراً،فبعد رجوعي من جنازة الشهيد( إبراهيم الزويك ) ذهبت مباشرة إلى مكان تمركزنا وهو المنطقة الواقعة خلف عمارة (مطعم الخيام) وهو أحد الخطوط الأمامية لجبهة المنقع ،وقد قدمت إلى الجبهة المذكورة قوة مكونة من سيارتين مسلحتين بمدافع 14.5 وعدد من أفراد المشاة مسلحين بأسلحة خفيفة وثلاثة قواذف نوع( ار بي جي ) وصواريخ سي فايف وهى ضمن تشكيل سرية المنقع التابعة لكتيبة شهداء الزاوية التي تشكلت وتسلحت في الزنتان وكان من بينهم (فيصل الغوج وصلاح الفزاني والبر وعصام الشائبي والقنصل) وغيرهم بالإضافة إلى ثوار المنطقة وهم من عائلة المقطوف دبوب والغوج وخضر وسركز والشاوي والبكوش وطروش والتركي وعمار وغيرهم وتعاون الجميع في سبيل انجاح المهمة وتحرير المنطقة،وقد حدثت بعض الاشتباكات مع الكتائب في نطاق هذه الجبهة وفى كل مرة يتمكن الثوار من رد هجمات الكتائب القادمة من جهة الشرق والشمال وقد دفعت المنطقة الكثير من أبنائها شهداء تجاوز عددهم الخمسون شهيداً ،وفي نهاية إحدى الهجمات الفاشلة لأفراد الكتائب على الجبهة المذكورة،والتي تم دحرهم وردهم من قبل ثوار منطقة المنقع ،تركوا الكتائب خلفهم جثة أحد أفرادهم ملقاة بمحاذاة الطريق الساحلية،وعندما تمكن الثوار من إحضاره كانت المفاجأة بأن وجدنا الجثة لأحد أفراد الكتائب وكانت يداه مقيدتان بحبل خلف ظهره وقد أطلق عليه رصاص في الرقبة، فسر البعض بأنه قد رفض الأوامر فقاموا بإعدامه،وجد الثوار هاتف بجيبه فاتصلوا بأخيه الذي أبلغهم بأنه أحد المتطوعين و طلب منهم أن يقوموا بدفنه . قام مجموعة من أهلي شارع المنقع بفتح مستشفى ميداني بمدرسة الجنوبية بنات وقاموا بجلب بعض من المعدات الطبية من مستوصف صلاح الدين والتحق عدد من أطباء المنطقة به اذكر منهم (الدكتور محمود ابوعوبه والدكتور ابوبكر ابوخذير والدكتور شعرون) وقام الثائران ( عدنان ابوعوبه وعلي الشاوي) بالإشراف الإداري وبذل عادل المقطوف وحسين الزويك جهداً في سبيل تجهيزه وقد قام هذا المستشفى بدور كبير في إسعاف الجرحى والمصابين نتيجة المعارك . وهكذا أستمر الحال في تلك الأيام إلى أن تطورت صفحات المعركة من الدفاع إلى الهجوم حيث كنا نباغت الكتائب بالهجوم موقعين بهم الخسائر تلو الخسائر وخاصة في الساعات الأولى من النهار وكنا ندفع الشهداء فلا يمر يوم إلا والتحق بقوافل الشهداء من الشباب من له نصيب فيها ،التقيت بأحد ثوار جادو وهو الأخ( مسعود الحامدى) الذي قدم إلى الزاوية ضمن ثوار الجبل وباعتبارنا عسكريين ( هو ضابط بالجيش برتبة مقدم ) جلست معه نتدارس الموقف العام واتفقت معه على أن لا يستعجل الشباب في التقدم حتى يتم إنهاك قوات الكتائب تفادياً للمزيد من الدماء،وبما أن الثوار غير عسكريين فالطريقة الوحيدة التي قد تؤتي ثمارها هو تقديم النصح لا إصدار الأوامر. أجبرت كثافة النيران التي تعرضت لها الكتائب المتمركزة بنقطة الصفر بشارع عقبة بن نافع والتي كان مصدرها الثوار المتمركزين بمنطقة المنقع على التقهقر تاركين مواقعهم،وكان ذلك فى يوم الخميس الموافق 18 / 8 / 2011 م حيث تمكنا من قطع الطريق الساحلية والتقدم إلى الشمال باتجاه شارع عقبة بن نافع،محررين بذلك موقع تمركز الكتائب المعروف بنقطة الصفر، وتقدمنا بحذر باتجاه الميدان،وكان ذلك قبيل وقت صلاة المغرب،أتفق الجميع على الرجوع إلى أماكن التمركز وخاصة بعدما تأكدنا من وجود قناصة فوق مبنى المجمع الإداري ومبنى فندق الجوهرة،وكان احتمال اعتلاء القناصة لمبنى مجمع المحاكم الذي يتوسط شارع عقبة بن نافع من الاحتمالات الواردة،لهذه الأسباب كان قرار تأجيل التعامل مع هذا الموقف إلى اليوم التالي قراراً حكيما . أجرت القناة الفضائية فرنسا 24 الناطقة باللغة العربية عدة اتصالات هاتفية معي بثتها خلال نشرات اخبارها والتي كنت اتحدث فيها بصفتي ضابط ثائر بالجيش الوطني الليبي التابع للمجلس الانتقالي والذي كنت أقوم فيها بنقل خبر أو تحليل موقف أو تأكيد نباء،وبما أن للإعلام دور كبير ومهم في حرب التحرير لا تقل أهميته عن الحرب والحركات الفعلية القتالية فقد حرصت على أن أتحدث يومياً علي شاشة فرنسا 24 ، وأول حديث أجرته معي هذه القناة كان بتاريخ 16/8/2011 م اما حديثي للقناة الفرنسية المؤرخ في 18/8/2011م الذي أكدت فيه على سيطرة الثوار على المدينة قائلاً: ( نعم أستطيع الآن أن أؤكد لكم ولجميع المشاهدين بأن الثوار قد سيطروا على 80% من مدينة الزاوية ولم يبقى من المدينة خارج سيطرة الثوار إلا بعض جيوب المقاومة البسيطة ولكن الأمر الذي يقلقنا هو استخدام قوات القذافي للأسلحة الثقيلة التي قد تصيب المدنيين الذين تتخذهم كدروع بشرية ، بالإضافة لوجود قناصة بالمستشفى الرئيسي للمدينة الذي بدأ الثوار بالاقتراب منه لغرض محاصرته والمسألة هي مسألة وقت ليس إلا ) . وفي اليوم التالي وهو يوم الجمعة الموافق 19/8/2011 م ومنذ الصباح الباكر تقدمنا ضمن مجموعة من الثوار تضم حوالي ثلاثون فرداً متسلحين بأسلحة خفيفة مع رشاش متوسط واحد نوع ( بي كي تي الرامي: عبد العالي المقطوف ويساعده المالي: عبد الباقي المقطوف ) وقاذف (ار بي جي يحمله عصام الشائبي) وتمركزنا بمنطقة "الولاني" وبالتحديد خلف مبنى مجمع المحاكم،وبقينا هناك إلي أن حضر " المختار فرحات " وهو قائد ميداني وآمر إحدى سرايا الثوار وأحد الثوار الذين سبق وأن ترافقت معه في الأيام الأولى للثورة بميدان الزاوية،وبعد ما سلم على الجميع جلست معه جانباً وتناقشنا حول الأوضاع الميدانية وتوصلنا إلى قرار وخطة وطلبت منه أن يشرح الخطة للمجموعة الحاضرة لنبدأ في تنفيذها، فوراً تكلم المختار مخاطباً الجميع قائلاً : " لمدة ثلاثة أيام والقناصة اللي فوق المجمع الاداري والفندق مانعينا من الوصول إلى الميدان ،يجب علينا أن نقطع عليهم الامداد بالذخيرة والتموين الذي يجيهم من اتجاه الشرق وذلك باتخاذ مواقع و سواتر في شارع القرضابية ومباشرة الرماية بالقواذف المضادة للدروع وبالأسلحة الخفيفة علي العربات التي تحاول الذهاب شرقاً لمنع وصول أية إمدادات للقناصة المتمركزين فوق المباني القريبة من الميدان الذي يقع غرب شارع القرضابية " قلت للمختار : ولكن هذه الخطة تتطلب اجراء عملية استطلاع للوقوف على استعدادات وتحصينات الكتائب ومعرفة اعداد قواتهم وتسليحهم و اماكن تمركزهم،فرد على الفور :"هيا اني واياك نطلعوا توا " تكلم احد الثوار قائلا :" يجب عليكم تبليغ كل المجموعات حتى لا يحدث الخطأ ويضنوكم من الكتائب فيرموكم "،فذهبت ومعى " المختار" للبدء في عملية الاستطلاع .


بقلم\صلاح صبري المقطوف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق