في اجْدَابِيَا قَلْبِي ، وفي الزِّنتَانِ **** قَلبَانِ في الأَعْمَاقِ يَنْتَفِضَانِ
أَتَسَلَّقُ الْجَبَلَ الأَشْمَّ مُعَانِقًا **** قِمَمَ الْبُطُولَةِ في حِمَى الشُّجْعَانِ
تَلْهُو بِيَ الأَشْوَاقُ تَحْضُنُ خَافِقِي **** وَتُذِيْبُنِي ، إِنَّ الْهَوَى زِنْتَانِي
لاجْدَابِيَا كَانَ الْوَفيَّ وَلَمْ يَزَلْ **** يَخْتَالُ بَيْنَ مَوَاعِدِ الأَشْجَانِ
عَانَقْتُ في أَرْجَائِها أُسْطُوْرَةً **** لِلْمَجْدِ وَالتَّارِيخِ يَلْتَحِمَانِ
وَسَمِعْتُ هَتْفتَهَا تَسَامَتْ فِي الْمَدَى **** تَهْتَزُّ بِالأَوْرَادِ وَالْقُرَآنِ
فَسَجَدْتُ فَوْقَ تُرَابِهَا مُتَبَتِّلاً **** وَعَشِقْتُ فِيهَا صَدْحَةَ الأَذَانِ
وَقَرَأْتُ ضِحْكَتَهَا عَلَى أَفْجَارِها **** وَحَضَنْتُ أَنَّتَهَا لَدَى الأَحْزَانِ
وَقَرَأْتُ في أَحْدَاقِهَا تَارِيْخَنَا **** يَنْسَابُ مُؤْتَلِقًا عَلَى الأَزْمَانِ
وَقَصَائِدًا خَلُدَتْ عَلَى شَفَةِ الْمَدَى **** شِعْرًا تَجَلَّى مِثْلَ سِحْرِ بَيَانِ
عَانَقْتُ فِيهَا قِصَّتِي وَقَصِيْدَتِي **** وَمَضَيْتُ أَلْعَقُ لَهْفَتِي بِبَنَانِي
فِيهَا مَحَارِيْبِي ، وَمَهْوَى خَفْقَتِي **** مَأْوَى تَهَاوِيْمِي ، صَدَى إِيْمَانِي
وَفَضَاءُ مَدْرَسَتِي ، وَحُلْمُ فُتُوَّتِي **** وَعِنَاقُ أَحْلامي ، وَعِطْرُ زَمَاني
وَهُتَافُ قَافِيَتِي ، وَنجْوَى ثَورَتِي **** وَصِبَا أَزَاهِيْرِي ، حُقُولُ أَمَاني
في كُلِّ زَاوِيَةٍ كَتَبْتُ طُفُوْلَتِي **** وَنَقَشْتُهَا بِرَوَائِعِ الأَلْوَانِ
فَرَسَمْتُ عُصْفُورًا وَحَقْلَ سَنَابلٍ **** وَفَرَاشَةً تَهْفُو إِلَى الأَغْصَانِ
وَرَكَضْتُ مَا بَيْنَ الْحَدَائِقِ سَارِحًا **** وَبَنِيْتُ أَحْلامًا عَلَى الشُّطآنِ
وَلَهُوْتُ مَا بَيْنَ السُّهُوبِ بِلُعْبَتِي **** وَغَفُوتُ بَيْنَ الْغَابِ وَالْوِدْيَانِ
أَوَّاهُ من قَلْبٍ تَفَرَّعَهُ الْهَوَى **** مُتَعَلِّقًا بِالتُّرْبِ وَالإِنْسَانِ
كَمْ تَاهَ فِي الشَّرْقِ الْحَبِيبِ مُقَبِّلاً **** عِطْرَ الْمَلاحِمِ في ثَرَى الْبَطْنَانِ
لَيُصَافِحَ الْمُخْتَارَ فَوْقَ تُرَابِهَا **** أَسَدَ الصَّحَارَى ، مُفْزِعَ الطَّلْيَانِ
فَيُطِلُّ من خُلْدِ الْجِنَانِ مُعَانِقًا **** جِيْلاً أَضَاءَ الْكَونَ بالإِيْمَانِ
قَدْ أيْقَظَ التَّارِيْخَ من غَيْبُوْبَةٍ **** وَأَثَارَ فِي دَمِنَا اللَّهِيْبَ الْقَانِي
يَجْرِي بَرِيْقُ النَّصْرِ في خُطْوَاتِهِ **** وَيُفْوحُ مِسْكُ الْخُلْدِ فِي الأَرْدَانِ
يُوْصِي مِنَ الأَحْفَادِ جِيْلاً ثَائِرًا **** وَيَبُثُّ رُوْحَ النَّصْرِ فِي الشُّبَّانِ
اِمْضُوا عَلَى دَرْبِ الْجِهَادِ أَعِزَّةً **** وَتَرَسَّمُوْا نَهْجِي ، وَكَنَزَ لِسَانِي
لا لَنْ نُسَلِّمَ ، مُوْقِنِيْنَ بِنَصْرِنَا **** أَوْ أَنْ نَمُوتَ عَلَى هُدَى الْعَدْنَانِ
أَمَّا الَّتِي أُغْرِقْتُ فِي شَلاَّلِهَا **** مِنْ نَظْرَةٍ أُوْلَى لِبَعْضِ ثَوَانِي
فَنَسِيْتُ فِي أَفيَائِهَا قَلْبًا هَوَى **** بَيْنَ الْكُرُومِ وَعَطْسَةِ البُسْتَانِ
هِيَ دَارُ أُنْسِ الرُّوْحِ في خَلْوَاتِهَا **** وَقَصِيْدَةُ الأَشْوَاقِ وَالتِّحْنَانِ
تَغْفُو عَلَى شَطِّ الْجَمَالِ أَمِيرَةً **** وَتَدُسُّ كُحْلَ الْحُسْنِ فِي الأَجْفَانِ
تُلْقِي على كَتِفِ الأَشَمِّ بِرَأْسِهَا **** لِلْيَمِّ تَقْصُصُ سِحْرَها الْقَدَمَانِ
فَإِذَا تَنَاوَمَ دَاعَبَتْهُ بِلَمْسَةٍ **** تُذْكِيْ جُمُوحَ الْمَوْجِ فِي الْخِلْجَانِ
فِيْ وَجْنَتِيْهَا تَسْتَفِيْقُ حَدِيْقَةٌ **** وَعَلَى يَدِيْهَا يَرْقُصُ الْقَمَرَانِ
وَتُبِيْحُ لِلْوَادِي سَنَابِلَ سَابِحٍ **** سَالَتْ مَدِيْحًا رَائِقًا وَأَغَانِي
يَتَعَلَّقُ الْمَوْزُ الصَّبِيُّ بِخَصْرِهَا **** وَيُهِيْبُ بِالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ
تَتَثَاءَبُ الْحِنَّاءُ مِنْ خِصْلاتِهَا **** في غَفْوَةِ النَّسْرِينِ وَالرَّيْحَانِ
لازَالَ يَحْفَظُ عَنْ صِبَاهَا قِصَّةً **** لِسَفِيْنَةٍ تَاهَتْ بِلا رُبَّانِ
جَاءَتْ تَمُجُّ الْمُوْتَ من أَشْدَاقِهَا **** فِيهَا أَمَاتَتْ غَضْبَةَ الْبُرْكَانِ
وَصَحَابَةٍ سَاءَلَتُهَا عَنْ صَحْوهِمْ **** نَامُوا بِمِحْضَنِهَا الدَّفِيءِ الْهَانِي
سَبْعِينَ مِنْ صَحْبِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ **** نَشَرُوا الرِّسَالَةَ فِيْ تُقًى وَإِيْمَانِ
قَالَتْ هُنَا سَكَنُوا فَحِيِّيْ صَحْوَهُمْ **** وَاشْمِمْ أَرِيْجَ الْخُلْدِ نَفْحَ جِنَانِ
وَرَهَنْتُ فِيْ شَحَّاتَ قَلْبًا سَارِحًا **** بَيْنَ الطُّلُوْلِ وَسَفْحِهَا الْفَتَّانِ
آثَارُهَا فِيْ نَاظِرَيَّ قَصِيْدَةٌ **** وَنَسِيْمُهَا كَاللَّحْنِ فِيْ وِجْدَانِيْ
وَأَضَعْتُ فِي الْبَيْضَاءِ قَلْبًا رَاجِفًا **** عِنْدَ الزُّحُوفِ وَزَأْرَةِ الْفِرْسَانِ
قَدْ جِئْتُهَا يَوْمًا قَرِيرًا وَاجِفًا **** مُتَوَرِّمَ الأَعْمَاقِ بِالأَحْزَانِ
طَفَقَتْ تُمَسِّدُ رَجْفَتِي بِحَنَانِهَا **** وَتَبُثُّ دِفْءَ الْحُبِّ فِيْ شِرْيَانِيْ
فَمَضَيْتُ أَرْسُمُ فِيْ هَوَاهَا لَهْفَتِيْ **** وَقَصِيدَتِيْ فِيْ حُسْنِها نَهْرَانِ
أَتَذَوَّقُ الأَعْسَالَ مِنْ نَظَرَاتِهَا **** وَأُتُوهُ مِثْلَ الْحَالِمِ الْوَسْنَانِ
وَنَسِيْتُ فِي الْمَرْجِ الأَنِيْقَةِ سَابِعًا **** بَيْنَ الْمُرُوجِ وَجَفْلَةِ الْغِزْلانِ
وَمَوَاجِدِ الْمِزْمَارِ تَجْذُبُ لِلْهَوَى **** لَهَفَ الْحِسَانِ وَصَبْوَةَ الْفِتْيَانِ
وَزَرَعْتُ في بَرْنِيقَ قَلْبًا مُوْلَعًا **** بِالشِّعْرِ وَالرَقَصَاتِ وَالأَلْحَانِ
وَطَفَقْتُ أُنْصِتُ لِلْقَصِيدَةِ تَنْتَشِي **** بِمَآثِرِ الأَبْطَالِ وَالشُّجْعَانِ
فَالْمَجْدُ وَالتَّارِيخُ مِلْكُ يَمِيْنِهَا **** لِلْعِزِّ فَوْقَ جَبِينِهَا تَاجَانِ
تِلْكَ الْجَمِيلَةُ حُلْوَتِيْ وَعَرُوْسَتِي **** بِالْحُسْنِ تَتَأَبَّى عَلَى الْعُرْسَانِ
( مِصْرَاتَتِيْ ) أَهْدَيْتُ قَلْبًا رَاعِفًا **** مُغْرُوْرِقًا بِالْحُبِّ وَالتِّحْنَانِ
قَلْبًا يَحِنُّ إِلَى لِقَاءِ حَبِيبَتِيْ **** وَتَئِنُّ تَحْتَ قَنَابِلِ الطُّغْيَانِ
أَمَّا طَرَابُلْسُ فَتِلْكَ أَمِيرَتِيْ **** أَوْدَعْتُ فِيْ أَجْفَانِها عُنْوَانِيْ
لأَفِيْءَ أَحْلُمُ تَحْتَ ظِلِّ رُمُوْشِهَا **** أُصْغِي إِلَى الْمَالُوفِ وَالأَوْزَانِ
فِيْ كُلِّ شِبْرٍ مِنْ ثَرَاهَا قِصَّةٌ **** لِبُطُولَةٍ كَالشَّطِّ أَوْ كَالْهَانِيْ
تَبْقَىْ تَبَارِيحِيْ ، وَجَذْوَةَ نَشْوَتِي **** وَرُوَاءَ أَشْعَارِي ، وَسِحْرَ جِنَانِيْ
وَطَرَاوَةَ الآهَاتِ فِيْ أُنْشُوْدَتِي **** وَحَلاوَةَ الْكَلِمَاتِ فَوْقَ لِسَانِيْ
قَلْبٌ بِـ (زَاوِيَتِيْ) تَعَلَّقَ فَانْثَنَى **** يَبْنِيْ مَدَائِنَهُ عَلَى الْجُدْرَانِ
لا الْحَرْبُ تَهْزُمُهَا ، وَلا بَطْشُ الْعِدَا **** لا حُبُّهَا يَبْلَى عَلَى الأَزْمَانِ
بِـ ( زُوَارةٍ ) زَارَ الْمَفَاخِرَ فَانبَرَى **** يُطْرِيْ الْجَمَالَ بِلاهِجٍ فَنَّانِ
لِلسِّحْرِ يُصْغِيْ لِلْبُطُوْلَةِ لِلْهَوَى **** لِلْبَحْرِ يَحْضُنُ خِصَرَهَا بِحَنَانِ
لِقَصَيدَةِ الصُّبْحِ الْمُعَانِقِ وِجْهَهَا **** لِنَشِيدِ نَشِوَتَهَا بِنَصْرٍ ثَانِي
وَتَرَكْتُ قَلْبًا يَسْتَفِيضُ بِشَوْقِهِ **** فِيْ يِفْرِنٍ يَهْوَى ، وَفِيْ غِرْيَانِ
وَفَقَدْتُ آخَرَ ظَلَّ يَهْوَى هَائِمًا **** مُتَوَلِّهًا بِالْعِشْقِ فِي الرُّجْبَانِ
وَنَسِيْتُ فِي نَالُوتَ قَلْبًا وَالِهًا **** مَا أَفْتَكَ الأَشْوَاقَ بِالإِنْسَانِ..!
لا زَالَ يُوْقِدُ شَمْعَهُ بِحَنِينِهِ **** مُتَلَمِّسًا دربًا إلى فزَّانِ
وَلَعَلَّهُ فِيْ سِرْتَ يَحْضُنُ هِمَّةً **** وَيَغُذُّ فِي سَيْرٍ إِلَى وَدَّانِ
سَرَّحْتُ عَاطِفَتي فَثَارَت مُهْجَتِي **** مَا أَعْذَبَ الأَشْعَارَ لِلأَوْطَانِ..!
هَذِي الْقُلُوبُ مَلَكْتُهَا وَرَهَنْتُهَا **** لِمَدَائِنِيْ ، أَحْيَيْتُهَا بِجَنَانِ
فَطَفَقْتُ أَزْرَعُ أَلْفَ لَحْنٍ لِلْهَوَى **** أَسْقِي يَنَاعَتَهَا بِرِيْقِ بَيَانِيْ
هَذِيْ قُلُوبِيْ كُلُّهَا يَا مَوْطِنِيْ **** يَا سَارِدَ التَّارِيخِ لِلأَزْمَانِ
فِيْ كُلِّ شِبْرٍ مِنْ بِلادَيْ مُهْجَةٌ **** فِيْ طِيبِ تُرْبِ مَدَائِنِيْ عُنْوَانِيْ
أَعْلَنْتُ حُبِّي لْلبِلادِ وَأَهْلِهَا **** وَنَشَرْتُ أَدْعِيَتي ، أَذَعْتُ بَيَانيْ
مِنْ غَيْرِ هَاتِيْكَ الْبِقَاعِ فَمَنْ أَنَا ..!؟ **** لا الْوَجْهُ وَجْهِيْ ، لا اللِّسَانُ لِسَانِيْ
هَذِي الْمَدَائِنُ كُلُّهَا فِي خَافِقِيْ **** هَذِيْ الرِّحَابُ الطَّاهِرَاتُ مَكَانِي
حَاضنْتُ ذَا الْعَلَمَ الْمُرَفْرِفَ فِي الذُّرَا **** مُتَسَاميًا أَبَدًا بِلا جُنْحَانِ
مُتَحَدِّيًا فَوْقَ السَّحَائِبِ سَابِحًا **** مُتَحَدِّثًا بِاللَّوْنِ وَالْخَفَقَانِ
لَأَرَاكَ يَا وَطَنِي الْمُفَدَّى شَامِخًا **** مُتَمَاسِكَ الْبُنْيَانِ وَالأَرْكَانِ
وَعَشِقْتُ فِي قِيَمِ الْعُرُوْبَةِ لِيْبَيَا **** رَمْزَ الشُّمُوخِ وَدُرَّةَ الْبُلْدَانِ
عَانقْتُ مُفْتَخِرًا مَلاحِمَ أَهْلِهَا **** وَنَقَشْتُ صُورَتَهَا عَلَى دِيْوَانِيْ
يا ليبيا أَقْسَمْتُ أَنَّكِ جَنَّتِيْ **** أَحْلَى الْعَرَائِسِ أَنْتِ فِي الأَكْوَانِ
فَتَأَنَّقِي يَا حُلْوَتِي وَجَمِيْلَتِيْ **** وَتَأَلَّقِي فِي الْخَافِقِ الْوَلْهَانِ
أَوَّأهُ يَا وَطَنِي وَيَا تَرْنِيمَتِيْ **** كَمْ حِزْتِ قَلْبًا في هَوَاكِ يُعَانِي
أَشْقِيْتِ هَذَا الْقَلْبَ حِينَ مَلَكْتِهِ **** فَإِذَا تَعَلَّقَ بِالْهَوَى أَشْقَانِيْ
. جمعة الفاخري.
ماشاء الله لاقوة إلا بالله
ردحذف