*** علِّم يا تشرشل علِّمنا ***
جلبت الحرب العالمية الثانية معها دمارا شاملا لمدن بأكملها و نسجت خيوط موت التفت على أعناق الملايين من البشر و كانت شاهدا على أهوال فظيعة في قتال شرس لا إنسانية و لا هوادة و لا رحمة فيه انتهى بهزيمة ألمانيا النازية و تمريغ أنفها في التراب و انتحار هتلر عراب الموت في قبوه في برلين، لأول وهلة سنتصور أن قادة الدول المنتصرة انتقموا من ألمانيا و حاصروها و عاقبوها و أذلوا شعبها و لكنهم كانوا قادة عظام يؤمنون و يطبقون أفكار رجال الدولة، لذا أخبرنا التاريخ عنهم أنهم قدموا يد المساعدة لألمانيا بعد أن وضعت الحرب أوزارها في إطار خطة مارشال للنهوض بأوروبا و هو ما يعرف رسميا ببرنامج الانتعاش الأوروبي الذي أنشئت له هيئة لإدارة الأموال الممنوحة سميت حينها منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي. السؤال المطروح هو، لماذا سلك من انتصر في تلك الحرب الشرسة ذلك المسلك المستهجن و المرفوض من مبتدئي السياسة و ممن تسكرهم الانتصارات فتفقدهم صوابهم؟ الجواب هو أنه كان واجبا أن تُمنع ألمانيا و أوروبا عموما من الوقوع في أحضان الشيوعية و كان يتحتم حمايتها من السقوط في هاوية لا قرار لها مع ضرورة العمل على دمجها و اندماجها في المنظومة الدولية و الأوروبية من جديد، و ها نحن الآن نرى ألمانيا و هي تقود أوروبا باقتصاد قويٍ منتجٍ يتيح لها مساعدة من يتعثر من دول أوروبا، ماذا لو أن القادة المنتصرين انحازوا إلى فكرة معاقبة ألمانيا و شعبها و انساقوا وراء دعوات الانتقام ماذا كانت ستكون المحصلة؟ الإجابة سهلة، بلد فقير مهزوم يقع على تخوم أوروبا المنتصرة به ملايين العاطلين و تكثر به الجريمة المنظمة و تسود فيه العصابات الإجرامية و تنتشر به الأيديولوجيات المتطرفة، لابد لبلد كهذا من أن تصيب أمراضه و تطال مشاكله من يتصور أنه محصن ضدها فلا مفر و لا مناص من أن تنتقل العدوى عبر الحدود لتكون خنجرا مسموما في خاصرة من انتصر. على الجانب الأخر، هل ترك المنتصرون مجرمي النازية يفرون دون عقاب من أجل غاية الدمج و الاندماج؟ هل تم العفو عن المجرمين بحجة لم الشمل أو بأي حجة أخرى، على العكس أقيمت محاكمات نورنبيرغ لمعاقبة كبار القادة النازيين الذين نالوا الجزاء الذي يليق بهم، و هو جزاء يستحقه أيضا كبار المجرمين الذين أجرموا في حق الشعب الليبي و استباحوا أمواله لمدة طويلة من الزمن، نحن عندما ندعو إلى المصالحة لا ندعو إلى عدم المحاسبة و لا نملك ذلك و لا نقبله إن اقترحه أحد، بل ندعو إلى سياق شبيه بتعامل المنتصرين في الحرب العالمية، سياق يسمح ببناء الدولة، سياق يمنع التصنيف، سياق تكون فيه الغلبة لليبيا، سياق يكون مبدئه و منتهاه هذا الوطن و مستقبله، سياق يحترم دماء و آلام كل من ظلمهم القذافي و زبانيته عبر رد الجميل لهم ببناء دولة قوية ناهضة لا ببناء الكراهية و الأحقاد لعلنا نرى ليبيا مثل ألمانيا يوما ما.
خليل الكوافي
اقتصادي ليبي