الحلقة الثامنة : الانتفاضة الثالثة
طال انتظاري لدعوة العشاء تلك والتي تعني ركوب البحر طلباً للنجاة و أملاً في الخلاص،أملاً عشت به وعليه .
مرت أيام عصيبة على أهالي وسكان مدينة الزاوية نتيجة الحصار الذي فرضته الكتائب علي مدينتهم،الذي أدى إلى النقص الشديد في الأدوية والمواد الغذائية وخاصة حليب الأطفال،وبالرغم من عدم توفر الخبز،ورغم الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي ورغم شح البنزين وغاز الطهي،صمد السكان وأملهم في الخلاص يكبر مع تقدم أبنائهم المتواجدين بالجبل ضمن الثوار القادمون باتجاه المدينة التي آن لها أن تحطم القيود التي كبلت بها وبأي ثمن .
كانت الأخبار القادمة من الجبل مطمئنة،تتحدث على انتصار الثوار انتصاراً يلي انتصار،وتقهقر وهزائم وراء هزائم للكتائب،وأيقنت قيادات الكتائب أن الخط الدفاعي الأول للاحتفاظ بطرابلس يكون في الزاوية فعمدت إلى تقوية هذا الخط وكثفت من البوابات علي الطرقات العامة وفي النقاط المفصلية وعند نقاط تشابك الطرق .
وفي يوم السبت 13 رمضان الموافق 13 أغسطس 2011 م وعند حوالي الساعة الثانية ظهراً تقدمت قوة من طلائع الثوار قادمة من منطقة بئر الغنم وقرية الأعوج باتجاه الزاوية،وجدت الطريق مفتوحاً أمامها،فهي المدينة التي يتحين شبابها الفرصة للانقضاض علي بقايا الكتائب والمتطوعين المنتشرين في شوارعها وأزقتها،ولما لا وهي التي طبق فيها القذافي تهديده ووعيده للشعب بأن يقوم باعتقالهم و بمطاردتهم (زنقه زنقه وبيت بيت ودار دار )،ولكنها لم تنحني،وباقتراب الثوار من المدخل الجنوبي للمدينة سرت حركة هلع بين أفراد تلك الكتائب والمتطوعين فأخلت مواقعها القريبة من طريق بئر الغنم و ركزت تواجدها بمنطقة الميدان والشوارع القريبة منه،وكذلك المنطقة الواقعة بالشرق من وسط المدينة حيث اتخذت مواقع دفاعية معززة قوتها بمختلف أنواع الأسلحة ونشرت القناصة على أسطح المباني المرتفعة،وعند قبيل وقت صلاة المغرب وصل الثوار إلى الطريق الساحلي بسرعة كبيرة،حيث لم يجدوا في طريقهم أي مقاومة تذكر عدا تلك التي اعترضت تقدمهم عند قرية( بئر ترفاس ) والتي تم دحرها بسرعة ،وبعد وقت صلاة المغرب من نفس اليوم ذهبت إلي منزل جاري"فيصل الغوج" وهو من ثوار شارع المنقع لرؤيته وللاطمئنان عليه حيث أنني لم أره منذ أن ذهب إلى منطقة الزنتان بتاريخ 11/6/2011 م وهو الآن في عداد المفقودين،نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يلهمنا إلى معرفة مصيره،وبعد أن سلمت عليه اتفقت معه على الذهاب إلى مكان تمركز الثوار عند بداية طريق بئر الغنم،وهناك وجدت الكثير من شباب الزاوية الذين قدموا للمشاركة في تحرير مدينتهم،واتخذت مع مجموعة من الشباب من المحلات المطلة على الطريق العام ساترا من أية قذائف قد تستخدم ضدنا،استأذنني " فيصل " للذهاب لرؤية أبنائه الموجودين عند أخوالهم الذي يقع مسكنهم بالقرب من مكان تمركزنا،وقلت له تحسباً لأي طارئ قد يحدث :إذا عدت إلى هنا ولم تجدني فلا تبحث عني،ذهب " فيصل" إلى سبيله،وفجأة سقطت قذيفة راجمة وسط الطريق وانتشرت شظاياها فأصابت أحد الثوار وهو" محمد الامين البكوش " وهو أيضا من ثوار شارع المنقع حيث نقل على وجه السرعة للمستوصف لتلقي العلاج ومازال هذا الشاب يتلقى العلاج إلى وقتنا الحاضر- أتمنى له الشفاء العاجل.
وفي الصباح الباكر لليوم التالي الموافق 14/8/2011 م بدأت الكتائب في قصف المدينة مستخدمة الأسلحة الثقيلة مثل الجراد والدبابات والمدفعية والراجمات وغيرها،ذهبت مترجلاً قاصداً منطقة الطريق الساحلي،وعند اقترابي من الطريق وجدت مجموعة من الثوار بأحد البساتين(سانية شنبارو) القريبة من الطريق المذكور،قررنا التقدم لأخذ مواقع دفاعية،ولم نقطع إلا خطوات قليلة حتى انهال علينا الرصاص،قلت وبصوت مرتفع : (انبطح انبطح ) ،وبسرعة أتخذ كل منا من أقرب شجرة نخيل ساتراً له،وتبين لنا إننا في مرمى نيران قناصة المعتلين لأحدى العمارات القريبة من المنطقة (عمارة نجيب عصمان)،وبصعوبة بالغة تمكنا من الانضمام إلى مجموعة كبيرة من ثوار شارع المنقع والمنطقة المحيطة به التي كانت متواجدة بالقرب من جامع ( الاغواج ) وهو قريب جداً من الطريق الساحلي انقسمنا إلى مجموعتين الأولى تمركزت خلف مبنى (مطعم الخيام) المطل على الطريق الساحلي وتمركزت الثانية بأحد البساتين المطلة على الطريق (سانية العكاري)،وكنا نتبادل الأماكن فيما بيننا،كان مصدر النيران من اتجاه الشرق حيث القوى الرئيسية للكتائب،ومن اتجاه الشمال حيث شارع عقبه المؤدي لوسط المدينة ،وفيما بين هذان المصدران شوارع ومسالك يتسلل منها أفراد الكتائب ومنها يحاولون إعاقة تقدمنا وخاصة من الطرق المؤدية إلي الحى المعروف "بشعبية القرضابية "،وهناك مجموعة من الثوار تمركزت بالشرق من مواقعنا وكنت على اتصال مع " إبراهيم الزويك " وهو قائد ميداني لتلك المجموعة،كان هناك مجموعة كبيرة من الكتائب معتليه مبنى يطل على الطريق الساحلي ويقع إلى جنوب الطريق المذكور،(مبنى عمارة نجيب عصمان ) ذهبت مع مجموعة من الثوار لغرض التعامل مع هؤلاء وعند وصولنا للمنطقة الخلفية للمبنى وجدنا مجموعة من الثوار كان من ضمنهم الشيخ " عبد الرؤوف السوداني "وهو إمام وخطيب مسجد ( صلاح الدين ) الذي طلب منا إعطائه فرصه للتفاوض معهم لتسليم أنفسهم بدون قتال حقناً للدماء،وبالفعل تفاوض معهم فطلبوا منه إعطائهم مهلة من الوقت لمدة عشرة دقائق،وبعد انتهاء المهلة،طلبوا تمديد المهلة ، فسر البعض بأنهم يحاولون كسب الوقت،فقررنا التعامل معهم باستخدام القوة،وفي هذه الأثناء انهال الرصاص علينا وبكثافة شديدة وكان مصدره رشاشات أغراض عامة متمركزة داخل مبنى (المطعم التركي ) المطل على شارع عقبة بن نافع،مما أدى إلى تمكن أفراد الكتائب من التسلل من الناحية الشمالية للمبنى .
رن جرس هاتفى وكان الرقم من شبكة الثريا فتحت الخط فقالت بلهجة مصرية : "أنا ديانا الطحاوي من منظمة العفو الدولية أتكلم معك من بنغازي وقد تحصلت على رقم هاتفك من " رضا فحيل البوم " وأود الاستفسار عن وجود لانتهاكات لحقوق الانسان ترتكب في الزاوية وهل هناك ضحايا مدنيين"،قلت لها أن هناك الكثير من الضحايا المدنيين نتيجة لاستخدام الكتائب للأسلحة الثقيلة في قصف المدينة،وهناك أسرة كاملة قد أبيدت وهى أسرة الدكتور "على الخضراوي " حيث استشهد الدكتور وزوجته وبنتهما نتيجة سقوط قذيفة على بيتهم،ولكنني الآن مضطر لإنهاء المكالمة بسب وجود إطلاق نار قريب،أخذت تلك المكالمة مدة دقيقتين تقريباً،ومن الاتجاه الجنوبي لشارع المنقع تقدمت سيارة تحمل رشاش14.5 مم تابعة لسرية شهداء المنقع التي تشكلت في الزنتان وكانت تسير للخلف باتجاه الطريق الساحلي وكان يسر خلفها مجموعة من الثوار اتذكر منهم " حسين المقطوف " و"عدنان بن طالب " وباشرت الرماية على المبنى الذي تمركز فيه القناصة الذين كانوا يقومون بالرماية علينا،وفجأة تقدم سائق تلك السيارة للأمام تاركاً الثوار بدون ساتر،مما أدى إلى أصابة " عدنان بن طالب " بطلقة في الرقبة نقل علي أثرها إلى المستشفى ثم استشهد على إثرها ،الله اكبر الله اكبر .
انتهت تلك المعركة وقد انهكنى التعب الشديد حيث كنت صائماً فنحن في اليوم الرابع عشر من شهر رمضان،وعبر البساتين وصلت إلى منزل أبن عمي الحاج "البشير المقطوف"،جلست في حديقة منزله التقط انفاسي،أكملت طريقي إلى منزل صديقى "حسين الزويك " جلست معه خلف سياج حديقته نتبادل الحديث حول ما يدور،وما نحن بصانعين حول تلك الأحداث الدامية ،رن جرس هاتف صديقي،رد على هاتفه ومن خلال حديثه سمعته يقول : ( كيف ؟ وين ؟ هو وين توا ) كانت تقاطيع وجهه تنذر أن خطباً ما قد حدث،وقف من جلسته وهو يقول ( إبراهيم خوى انصاب هيا نمشوا نشوفوه ) ، سألته ماذا حدث ؟ ومن المتصل ؟ أجابني بأن أخيه الصادق أبلغه في تلك المكالمة بأن إبراهيم قد أصيب وهو يتصدى مع رفاقه لمجموعة من أفراد الكتائب حاولت التقدم من المحور الشرقي لجبهة المنقع،ركبنا السيارة واتجه بنا جنوباً قاصدين المستوصف الواقع بمنطقة بئر معمر،وقبل بلوغنا المستوصف جاءنا خبر استشهاد إبراهيم،الله اكبر الله اكبر،وصلنا المستوصف الذى بدأ فى أوج حالاته،سيارة إسعاف قادمة،وأخرى مغادرة،أصوات التكبير تملى المكان،دخلنا المشفى وسئلنا عن مكان الشهداء، رافقنا أحد الثوار إلى حجرة تقع بمدخل المبنى المتواضع في معماره،العظيم في دوره عظمة الرجال الذين يحتضنهم،رجالاً صادقوا ما عاهدوا الله عليه فلقوا نحبهم،وجدنا بداخل تلك الغرفة خمسة من الشهداء،ما اسم شهيدكم ؟ أجبناه،فأشار إليه،الله اكبر لا إله إلا الله محمد رسول الله،كان إبراهيم مسجى بتلك الغرفة وبدأ لي وكأنه نائم،خرجنا من الغرفة ونحن نسير باتجاه السيارة ، شدني موقف عظيم وهو قدوم الحاج أحمد الزويك لرؤية أبنه الشهيد وهو يسير ببطء تسنده عصاة خشبية وهو يكبر في خطوة : الله اكبر ويئن في أخرى ، مشهد يدمع الحجر ويشد الأنظار لتلين تلك القلوب التي تعودت على رؤية الموت وقارعته فغلبته تارة وغلبها مرات،مسن بلغ الثمانون من السنين يدفع فلذة كبده للوطن عن طيب خاطر ومن غير منة،لكنها الأوطان فللأوطان سحراً أخآذ وعبق لا يشتمه إلا من نهل من نهر محبة الوطن،صانعاً مجداً لا يفل،ومانحاً وفاء لا يبتغي منه مهراً إلا ما ارتضى لنفسه من تاريخ .
بقلم \ صلاح صبري المقطوف
بالرغم من أنك كاتب جيد إلا أنك لم تنقل الأحداث بواقعية وشفافية بعيدا عن العاطفة والإنحياز للقبلية وإنقاص دور الثوار الأخرين فلم تقل لنا كيف وصلتم إلى الطريق الساحلي مفرق بئر الغنم وبالتحديد تحت الجسر ( الكوبري ) ومن كان معكم ؟؟ حيث استطاع الكثير مشاهدة مقاطع فيديو تؤكد وجود ثوار أخرين بجانب ثوار الزاوية ولم تكن لهم أماكن أخرى يلجأون إليها للراحة .... إلا ساحة القتال والمواجهة الحقيقية وتكاتف الجهود بين جميع الثوار من الزاوية والمناطق المحيطة بها جنوبا إلى منطقة الجبل كانت مصدر أساسي لنجاح الثوار في الإستمرار في مقاومة الطاغية ومن معه والتدريب الجيد على إستعمال السلاح وتحمل التعب والمشقة وبهذا التكامل بين الجبل والساحل أنتصرت الثورة بتوفيقا من الله وعرفانا من عباده الصالحين ز
ردحذف