أزمتنـــــــــا أزمة أخـــــــــــلاق
الاستهداف المقصود و الممنهج الذي قام به النظام السابق للقيم المجتمعية الحاكمة و الراسخة بين الناس، أفضى إلى مجتمع يعاني من أزمة عميقة في الأخلاق يمكن رصدها دون عناء لدى الكثيرين في طريقة تناول الأمور و في أسلوب إدارة الخلافات و في تغليب المصلحة الذاتية الضيقة على غيرها دون اعتبار لأي ضرر قد يلحق بالوطن أو بجماعة أخرى فيه، كما يظهر هذا التشوه المجتمعي جليا في تصرفات لا تمت للدين الإسلامي و لتعاليمه بأي صلة في مجتمع يدعي التدين و يتباهى بالبعد عن المحرمات و النواهي و ترى أفراده في المناسبات الدينية يرفلون في جلابيب بيضاء متجهين زرافات و وحدانا إلى المساجد حتى يخيل لك أن ملائكة كرام قد هبطوا إلى الأرض.
أزمة أخلاق، لأن من عبروا عن رفضهم للقانون الخاص بتعويض السجناء السياسيين و في سياق تبريرهم لرأيهم استخدموا نعوتا لا تليق برجال عظام و شجعان تحملوا في سبيل دينهم و وطنهم و شجاعة رأيهم ما لا يطيقه بشر، رجال كرام يتمنى المرء فرصة مصافحتهم، هل من الأخلاق أن يوصف من أوذوا لسنوات طوال بالمرتزقة و المأجورين و الأشرار و الطماعين، أليس عهرا فكريا أن يطاوع القلم من كتب "كلنا عانينا من نظام القذافي"، حقيقة لم أستطع أن أجد تشابها في المعاناة بين من كان في زنزانة ضيقة كقبر محروما من أهله و أحبابه تفترسه الأمراض منتظرا إطلالة متكررة لجلاد كريه لا يجلب معه سوى العذاب الأليم و بين من كان همه الحصول على كرت الجزيرة الرياضية ليشاهد مباريات كأس العالم مع صحبته و هم يلتهمون "الدلاع" البارد و المكسرات، هذا لا يمنع أن يكون لدينا نقاش مجتمعي فيه من يجاهر برفض القانون و توقيته و آلية التعويض و مقداره و هو رفض مقبول بل و مطلوب في إطار الحراك السياسي و في إطار مراقبة تصرفات السلطة في المال العام و في إطار حرية الرأي شريطة ألا يجرنا ذلك الرفض إلى تبرير أرائنا بالتجاوز الدنيء في حق الآخرين و هم من هم.
أزمة أخلاق، لأن أصوات قذائف الهاون و صواريخ الجراد التي استخدمها القذافي و جنوده ما زالت تصم آذاننا و رائحة الموت التي نشرها ما زالت باقية في الأجواء و بكاء الأطفال و جزع الأمهات في المخيمات الحدودية ما زالا في مخيلتنا و ما زال موقف اخواننا في قطر و تونس و مصر و كل من ساعدنا قريب العهد لم ننس تفاصيله، و مع كل هذا أقام الدنيا و لم يقعدها كثيرون منا لأن خبرا ظهر في الإعلام و يا ليته كان صحيحا عن نية المجلس الوطني مساعدة اخوتنا في سوريا الذين يتعرضون لمثل ما تعرضنا له، كنا نملأ الدنيا صراخا طلبا للنجدة و المساعدة و عندما تفضل علينا المولى الكريم سددنا آذاننا و أغلقنا جيوبنا في وجه المضطر، أكاد أجزم أننا لو طهرنا أموالنا بمساعدة مالية يسيرة لمن يحتاجها لما ولغ عديمو الضمير في عشرات أضعافها من المليارات التي أسيء التصرف بها كما هو حادث الآن في معظم الملفات في الدولة الليبية.
أزمة أخلاق، لأن الاعتداء على أملاك الناس و أرزاقهم ما زال مستمرا و ما زلنا نرى التنازلات و البيع و الشراء في أملاك الغير و كأن القذافي ما زال حيا و كأن الثورة لم تقم و كأن شيوخ المساجد في خطب الجمعة يخاطبون شعبا آخر، هذه الاعتداءات المستمرة التي لن يصبر عليها أصحاب الأرزاق كثيرا هي تجسيد لانحدار الأخلاق و لانعدام تأثير الوازع الديني على مجتمعنا الذي أتمنى أن يذهب أبناؤه إلى المساجد في عيد الأضحى القادم بقلوب بيضاء و بحسن معاملة للناس و ليختاروا لجلابيبهم من الألوان ما شاءوا فذلك أطهر لهم و أنفع.
خليل الكوافي
اقتصادي ليبي