كانت الساعات الأخيرة من نهار يوم الاثنين الموافق لليوم السابع من شهر مارس من عام الثورة من أصعب الساعات التي مرت على المدينة،اشلاء وجثث منتشرة في الشوارع،هنا وهناك،صوت تكبير المساجد اختلط بأصوات الرصاص والقنابل فكان نغماً يرهب الغازي ويطرب الثائر رغم الموت الغادق،رائحة الموت والدم والبارود والعرق غطى كل المدينة،الكل يبحث عن الكل،جنود مدججون بكل أنواع الاسلحة،غرباء عنها أرادوا احتلالها،هم لا يعرفونها ولا يخبرون أزقتها وشوارعها ،مجموعات من أبنائها ومن شبابها تربوا فيها،رسموها بأيديهم،عرفوا كل زاوية من زوايا مبانيها،طاردوا تلك الرهوط الباغية،ولكنهم سيتركون لها المكان مؤقتاً مكرهين،ذخائر نفدت،اسلحة خفيفة لا تؤثر في تلك التي تحصن فيها المعتدون،حتى أن أحد الثوار أخرج مصحفاً من جيبه وجلس وسط الطريق يتلوا القرآن وهو غير مكترث ببطش الطغاة،هكذا هي صنائع الابطال،فالبطل لا يبالي هل هو وقع على الموت أم الموت وقع عليه  ؟ الله أكبر ما كبر الثائر وزمجر،الله أكبر ما تلقى الثوار بصدورهم العارية من رصاص،الله أكبر ما ارتوى ترابك يا بلادي بدمائهم الزكية ،الله أكبر ما زغردت امُ عند سماع نبأ استشهاد ابن لها،الله أكبر الله أكبر الله أكبر .    
اشتد ضغط جنود الكتائب بشكل كبير وخاصة على الميدان والمنطقة المحيطة به وبالأخص شارع عقبة حيث كنا متواجدين فكانت السيارات المصفحة التابعة للكتائب تمر من شارع عقبة وكنا نتعامل معها باسلحتنا الخفيفة المتمثلة في بنادق نوع كلاشنكوف وبنادق الصيد حيث بدأت الذخائر فى النفاد،طلبت من "العارف الشاوي"بعض الطلقات فقاسمني ما معه، استخدمتها ضد إحدى العربات،نفدت ذخيرتي مرة خرى طلبت من الثوار المتواجدين في المكان البعض منها الكل كان لهم نفس الرد" هذه آخر طلقة " لهذا قررنا الانسحاب وفعلاً بدئنا فى تنفيذ ذلك،كان معي مجموعة من الثوار بالقرب من منازل عائلة " بشينه "كان أخي "أشرف"من ضمنهم ابلغته بقرار الانسحاب الذي يستلزم قطع الطريق الساحلية جنوبناً فقال :" هناك دبابة تقوم بالرماية باتجاه الغرب قد تصيبنا "  قلت له : " نقطع الطريق بعد ما ترمي الدبابة اطلاقة كنت أعرف أنه يوجد فاصل من الوقت بين كل طلقة وأخرى "  وقفنا قليلا وبعدما قامت الدبابة بالرمي على مبنى شركة البريقة قلت له الآن،نطقت بالشهادتين وانطلقت مسرعاً باتجاه جنوب الطريق الساحلي ولكن  أخى قرر البقاء هناك وفي أثناء قطعي للطريق سمعت أخي عادل يقول لي بصوت مرتفع "اجري يا صلاح "، وهكذا وصلت لمجموعة الثوار المتمركزين خلف محل مواد البناء المطل على الطريق الجنوبية الساحلية،طلبت منهم ذخيرة ولكنهم لا يملكونها،بقينا هناك لمدة ساعة أو أقل بقليل فقال أحد الثوار " علاش قاعدين الانسحاب الانسحاب " وكان ذلك عند وقت غروب شمس يوم الاثنين المشهور فتسللنا جنوباً باتجاه منطقة قبلي الساحلي عبر البساتين ومنها تفرقنا حيث ذهب معظم الثوار إلى منطقة المزارع ، فالتجأ البعض إلى الجبل وقرر آخرون المغادرة إلى تونس .
 ذهبت إلى بيتى وبندقيتي بيدي فارغة من أي أطلاقات فلم أجد أسرتي هناك ، ومنه ذهبت إلى بيت والدي حيث وجدتهم  هناك ،ووجدت أخي عادل وأخي علاء قد وصلا لتوهما من الميدان ،وكانت الاتصالات مقطوعة بالكامل حتى الأرضية منها وسألتني أمي عن أخوتي( أشرف والحسن والحسين وعصام وفراس )،فقلت لها  انشاء الله يصلوا بسلام ،  وبدءوا في الوصول الواحد تلو الأخر إلى أن وصلوا جميعهم عدا ( أشرف والحسن ) حيث بقى ( أشرف) مختبئا في أحد منازل عائلة بشينه و ( الحسن ) مختبئاً في أحدى البنايات القريبة من الميدان بصحبة أبن عمي ( زهير )ومجموعة من الثوار حيث سترهم الله عن أعين أفراد الكتائب الذين كانوا يمرون بجانب المبنى الذي التجئوا إليه ثم تسللوا جميعهم في ساعات متأخرة من الليل واستطاعوا الوصول إلي بيوتهم،حينها تفرقنا فذهبت مع أبنائي إلى بيتي وذهب أخوتي إلى مزرعة أبناء عمي ( مصطفى )،
 وقامت الكتائب فور احتلالها للمدينة بمداهمة مستشفى الزاوية،وسمعنا عن قيام جنود القذافي بقتل الكثير من جرحى الثوار واعتقال البعض منهم ونقلهم إلى جهات مجهولة،وسمعنا أيضا عن قيام بعض الأطباء والطبيبات بإخفاء البعض من الجرحى ومن ثم تهريبهم خارج المستشفى،و كان " أسامة الشاوي" شفاه الله وهو ابن خالتي أحد الجرحى الذين أصيبوا في إحدى المعارك، فقام والده بأخذه من المستشفى رغم حالته الصعبة وذهب به إلى منطقة المزارع ومن ثم تسلل به إلى تونس للعلاج 
وفي محاولة منها لطمس رمز الثورة في المدينة اقدمت الكتائب على هدم بيت من بيوت الله كان يرتفع فيه التكبير وهو جامع الميدان ، كما قامت تلك الكتائب بنبش قبور شهداءنا والتمثيل بجثثهم الطاهرة .ورغم الموت والدمار ورغم مرارة الألم ورغم الجراح الغائرة وبالرغم من هدم المساجد ونبش القبور أبت هذه المدينة أن تستسلم لجلاديها فلم تنحي يوما للطغاة ولم تعلن ولائها لجبروت الغزاة فبقى نار بركان الثورة خامداً في اعماقها .   
سيطرت قوات القذافي على مدينة الزاوية وخاصة المناطق الواقعة شمال الطريق الساحلية بأعداد كبيرة من جنود الكتائب مدعومة بالدبابات والمدرعات ، ولم تدخل تلك الكتائب منطقة ( قبلي الساحلي ) إلا عندما بدأت في حملة الاعتقالات ففي يوم الجمعة الموافق 11/3/2011م دخلت مجموعة من الكتائب إلى شارع( المنقع ) وقامت بتطويق بيتي واقتحمت مجموعة أخرى البيت وألقيت القبض على أخي الأكبر ( عادل ) الذي يسكن بالطابق العلوي لمنزلي واقتادته إلى مكان مجهول ، وجاءني خبر اعتقال أخي وخبر اعتقال أبناء أخ زوجتي "عزمي و أحمد محمد فحيل البوم "  فقلت " اللهم فك أسرهم وخفف عليهم محنتهم " فأني لا أملك لهم شيئاً إلا الدعاء .
وهكذا عاش أهالي الزاوية أياماً عصيبة ،فكنا نسمع كل يوم ،بل وكل ساعة عن ممارسات همجية من اعتقالات وإهانات ومعاملة ألا إنسانية تعامل بها جنود الكتائب مع أهالي الزاوية،مما اضطر الكثير من أهالي الزاوية إلى الخروج خارج المدينة .